د. بكر إسماعيل الكوسوفي…فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم – رمز من رموز الأزهر الشريف

يُعدّ فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم ـ حفظه الله ومتّعه بالصحة والعافية ـ من أبرز رموز الأزهر الشريف في العصر الحديث، إذ تجسّد كلماته وخطبه ومحاضراته أصداء الأزهر العريق في أزهى عصوره. فهو شخصية علمية موسوعية تجمع بين عمق الفقه الإسلامي وفصاحة التعبير المعاصر، يمتلك وعياً دقيقاً بأبعاد الكلمة ومقاصدها، ويُجيد توظيفها في خدمة الإسلام والفكر المستنير، مما جعله من القمم الفكرية التي يصعب تجاهل أثرها في الساحة الإسلامية والعربية.
وإلى جانب تخصّصه الدقيق في علوم الحديث الشريف، فإن فضيلته يظهر كذلك فقيهاً وأديباً وشاعراً، يعيش القرآن الكريم وعلومه، ويدافع عن الإسلام ومقوماته في وجه التحديات المعاصرة بأسلوب علمي رصين، ونفس واثقة، وروح شاعرية مُحبّة لرسول الله ﷺ، حيث له قصائد جليلة في مدحه، فضلاً عن إبداعه في مجالات الأدب الإسلامي الأخرى.
وقد آتاه الله عزّ وجل قدرة بيانية فريدة، وملكة خطابية أخّاذة، تأسر الأسماع وتستميل القلوب، حيث يظهر أثرها في قدرته على الإقناع والتأثير والإلهام، من خلال خطاب يتسم بالترتيب العقلي، والثراء المعرفي، والارتباط الوثيق بالقيم القرآنية والسنن النبوية. وهذا ما جعل منه داعية فذّاً، يتفاعل مع جمهوره بفكر ناضج وأسلوب رصين، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة…
وشهدت له المحافل العلمية والدعوية بتميّزه وفاعليته، حيث شغل مناصب رفيعة منها عمادة كلية أصول الدين، ثم نيابة رئاسة جامعة الأزهر، فَرئاستها لمدة ست سنوات، بالإضافة إلى عضويته في مجلس الشعب المصري ولجان متعددة، وزياراته العلمية إلى عدد كبير من دول العالم. وكانت هذه المواقع شاهداً حياً على نبوغه الفكري وعطائه العلمي، حيث جمع بين البلاغة والأدب والعلم، وتمكن من إيصال رسالة الإسلام بأسلوب حضاري متزن.
ولم يكن فضيلته مجرد أكاديمي أو إداري، بل كان مربياً ومفكراً وعالماً ربّى أجيالاً حملت نور الفكر الإسلامي، وساهم في نشره، واستلهمت من شخصيته النموذج المحتذى في الإخلاص والتجرد والعمل الصالح. وقد جسّد في مسيرته الدعوية رؤية متكاملة تنبع من قناعة راسخة بأن خدمة الإسلام لا تتم بالشعارات الجوفاء، بل من خلال مواجهة الثالوث الهدام: الجهل والفقر والمرض، والعمل على اقتلاع جذوره لترسيخ الإيمان الحقيقي في نفوس المسلمين…
وقد اضطلع فضيلته بمسؤولية التنوير الإسلامي، فكان لا يترك محفلًا علميًا أو دينيًا إلا وأثار فيه قضايا الأمة، داعياً إلى معالجتها بأساليب علمية وعملية، تنطلق من العدل والموضوعية، وتسعى إلى تحقيق الأمن والسلام للمجتمعات المسلمة. كما أسهم في إثراء المكتبة الإسلامية بإنتاج علمي غزير ومتنوع شمل العقيدة والحديث وعلومه، والدراسات الإسلامية، وتحقيق التراث، وتميّزت مؤلفاته بالإبداع والمنهجية والابتكار، مما يعكس عقلاً واعياً وذوقاً علمياً رفيعاً.
ويُسجَّل لفضيلته كذلك جهوده الكبيرة في تعزيز مكانة الأزهر الشريف، إذ سعى خلال فترة رئاسته إلى توسيع شبكة كلياته في مختلف محافظات مصر، كما عمل على توسيع الحضور الأزهري في العالم الإسلامي بافتتاح فروع للجامعة في عدة دول، تعزيزاً لدور الأزهر كمنارة علمية ودعوية عالمية.
ومن خلال لقاءات شخصية مباشرة مع فضيلته، شعرت بقيمة هذا العالم الجليل، الذي يجمع بين العلم الواسع والتواضع الجم، وبين القوة في الدفاع عن قضايا الأمة ورحابة الصدر في الحوار، وقد ترك في نفسي أثراً عميقاً، لما تحلّى به من أخلاق العلماء، وحكمة الحكماء، وهمة الدعاة المخلصين.
وما زالت لقاءاتي المتكررة به، سواء منفرداً أو برفقة وفود علمية من البلقان (كوسوفا، ألبانيا، مقدونيا، البوسنة وغيرها) تزداد توثيقاً وتقديراً، فقد لمست فيه روحاً إنسانية راقية، وفكراً مستنيراً، وحرصاً دائماً على نصرة قضايا المسلمين، أينما وُجدوا. ولم يتوان لحظة عن تقديم العون والدعم، دراسةً وتخطيطاً، وتوجيهاً ومناصرة، وهو بحق أحد مفاخر الفكر الإسلامي المعاصر.
ومن هنا، فإن فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم يُعد بحقّ أحد أعلام الأزهر الشريف، وركناً ركيناً من أركان الدعوة الإسلامية، بما جمعه من علم وفكر وأدب، وموسوعية نادرة، وبلاغة محكمة، وقيادة تربوية إصلاحية، جعلت له مكانة مرموقة في قلوب المسلمين في المشرق والمغرب، فهو نموذج للعلماء الربانيين الذين يُصلحون، ويهدون، ويجاهدون بالكلمة الصادقة والقول السديد.
“مختارات من أقوال فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم، وأقوال العلماء فيه”
أو
“شهادات وتوجيهات”
أولاً: أقوال فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم (كما وردت في النص أو أُشير إليها ضمنياً):
• “خدمة الإسلام لا تكون بالهتافات والمشاعر المجردة، بل عبر القضاء على ثلاثية الجهل والفقر والمرض.”
• “ينبغي أن نواجه قضايا الأمة الإسلامية بعقل علمي رصين، لا بردود أفعال عاطفية، حتى نصل إلى سلام عادل وشامل.”
• “الدعوة إلى الله لا تقوم إلا على الحكمة والموعظة الحسنة، مع بيان الحق بلغة رصينة ومؤثرة.”
• “من واجبنا أن نعرض قضايا الأمة الإسلامية في المحافل الدولية بطريقة علمية مؤثرة، تليق بعظمة الرسالة وسمو المقصد.”
ثانياً: أقوال الأستاذ الدكتور/ بكر إسماعيل الكوسوفي عن فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم:
• “هو شخصية فكرية عملاقة تستوعب حقائق الإسلام، وقادرة على التعبير عنها بفقه عصري سمح ووعي دقيق بجغرافيا الكلمة.”
• “عالم موسوعي لا يُرى فيه مجرد متخصص في علوم الحديث، بل تراه فقيهاً وشاعراً ومفكراً، إذا نطق أسر، وإذا خطب أثر.”
• “يمتلك قدرة بيانية تأسر القلوب، وتُشعر السامع بعظمة الداعية المسلم الذي منحه الله البيان وملكة الخطابة.”
• “التقيت فيه رجلاً يسير على سنة الحبيب محمد ﷺ قولاً وفعلاً، علماً وعملاً، تواضعاً وزهداً.”
• “هو مفكر قادر على التصدي للقضايا الفكرية العامة، وتناولها بالتحليل الرصين والمعالجة المتأنية، لا بالانفعال أو العاطفة الجياشة.”
• “عندما سمعته لأول مرة، شعرت بامتداد هذا العالم في الزمان والمكان، كأنه شعاع من تراث علمي شامخ يتجدد ولا يندثر.”
• “هو من القلة الذين وهبهم الله من نوره، وبارك لهم في علمهم وجهدهم، وجعلهم منارات يهتدي بها المسلمون في الظلمات.”
قصيدة ” وفاء في حق الدكتور أحمد عمر هاشم”
للأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
يا ابن الأزهر يا علمًا يتلألأ في أفق الزمنِ
يا من رفعت لواء الحق في ساح العلم والفتنِ
قُمتَ للحق خطيبَ منبرٍ، وبقلمٍ وبسيف فطنِ
حملتَ همَّ الأمةِ عاليًا، ونطقتَ باسمها في المحنِ
ما خنتَ عهدَ العلم يومًا، وما غبتَ عن ميدان المننِ
في كوسوفا ذكراك شذاً، يعبقُ بالصدقِ والمؤتمنِ
أنعشتَ فينا روحَ الأمل، وكشفتَ وجهَ المعتدنِ
لك في قلوبِ شعبِنا حبٌّ، لا تذروه رياحُ الزمنِ
تحليل نقدي أدبي لقصيدة
أولاً: المقدّمة
تشكل قصيدة “وفاء في حق الدكتور أحمد عمر هاشم” وثيقة أدبية تحمل طابعاً تكريمياً ورمزياً في آن واحد. فهي تنتمي إلى أدب الوفاء والمديح، لكنها تتجاوز المديح التقليدي إلى خطاب ثقافي وروحي أعمق، يوثق الصلة بين مؤسسة الأزهر الشريف وبين مسلمي كوسوفا. ومن ثمّ، فالقصيدة تندرج ضمن الأدب الوظيفي الذي يزاوج بين الجمال الفني والرسالة الفكرية.
ثانياً: البنية الشكلية والإيقاعية
1. الوزن والقافية: التزم الشاعر بالقصيدة العمودية التقليدية، عبر وحدة الروي (النون المكسورة)، مما أضفى طابعاً من الانسجام الموسيقي والإيقاع الموحّد. هذا الالتزام يعكس رغبة الشاعر في استدعاء رصانة التراث العربي.
2. البنية الإنشائية: الافتتاح بالنداء “يا ابن الأزهر” يمنح النص طابعاً خطابياً مباشراً، يضع المخاطَب في مقام رمزي يتجاوز الفردية.
3. التكرار والتوازي: نلاحظ تكرار صور مثل “قمت…”، “حملت…”، “ما خنت…”، وهو ما يعزز إيقاع النص الداخلي ويؤكد على التثبيت الوجداني للمعاني.
ثالثاً: البعد الدلالي والرمزي
1. رمزية الأزهر: “يا ابن الأزهر” تمثل استدعاءً لرمز أوسع من شخصية الدكتور أحمد عمر هاشم، حيث يتحول الأزهر إلى فضاء جامع للعلم والدين والهوية.
2. الثنائيات المركزية: القصيدة تقوم على ثنائية العلم/الفتن، القلم/السيف، الأمل/المحنة، وهي ثنائيات تُظهر رؤية الشاعر لدور العالم كقائد فكري وروحي ومجتمعي.
3. البعد الكوسوفي: إدراج كوسوفا في النص (“في كوسوفا ذكراك شذاً”) يحوّل القصيدة من خطاب شخصي إلى خطاب أممي، يوثّق حضور الأزهر في قلوب مسلمي البلقان.
رابعاً: الأبعاد الفكرية والثقافية
1. البعد الفكري: تؤكد القصيدة أن العالم الأزهري ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل حامل لهمّ الأمة ومشارك في قضاياها الكبرى.
2. البعد الثقافي: النص يمثل حلقة في سلسلة طويلة من الأدب العربي الذي يربط المشرق بالبلقان، ويعكس التفاعل الحضاري والديني بين الأزهر وشعوب المنطقة.
3. البعد السياسي: من خلال الإشارة إلى “المحن” و”المعتدين”، يوظف الشاعر القصيدة كأداة تضامن مع قضية كوسوفا ومع قضايا الأمة عامة.
خامساً: القيمة الأدبية والجمالية
• الصور البلاغية: استعارات مثل “لواء الحق”، “شذاً يعبق”، “روح الأمل” تمنح النص بعداً حسياً وجمالياً يعزز الرسالة الفكرية.
• الطابع الخطابي: الجمع بين اللغة الشعرية واللغة الوعظية الخطابية يُظهر تأثر الشاعر بالمنبر الأزهري وبلاغة الخطباء.
• الوفاء كقيمة أدبية: النص لا يُقرأ كمديح محض، بل كترسيخ لقيمة الوفاء التي تمثل مبدأً أساسياً في الأخلاق الإسلامية.
العلاقة الشخصية والنتاج العلمي
لم تقتصر صلتي بفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم على التقدير العلمي والفكري فحسب، بل جمعتني به علاقة شخصية وثيقة، تميّزت بالاحترام المتبادل والتواصل المستمر. فقد التقينا مرارًا وتحدثنا طويلًا حول قضية كوسوفا، وقضايا الأمة الإسلامية الكبرى، حيث كان دائم الاهتمام بهموم المسلمين في البلقان، ومساندًا لقضاياهم العادلة. وقد دفعتني هذه اللقاءات إلى تدوين معالم سيرته ومسيرته العلمية والفكرية في كتاب خاص بعنوان:
“الأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم: رئيس جامعة الأزهر ودوره في النهوض بالتعليم الأزهري”.
ويُعد هذا العمل مرجعًا للباحثين والمهتمين، إذ يقدم صورة متكاملة عن فكره ودوره الدعوي والعلمي، ويكشف عن إسهاماته في تطوير التعليم الأزهري وتعزيز مكانة الأزهر الشريف عالميًا. ومن ثمّ، فإن هذه العلاقة الشخصية لم تكن مجرد تواصل عابر، بل شكلت دافعًا لإثراء المكتبة الإسلامية بدراسة وافية عن أحد أبرز رموز الأزهر الشريف في عصرنا الحديث.
الخاتمة
يمكن القول إن قصيدة “وفاء في حق الدكتور أحمد عمر هاشم” تُمثل نموذجاً أدبياً يجمع بين جمالية الشكل الكلاسيكي وفاعلية الرسالة الفكرية والرمزية. فقد حول الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي شخصية أحمد عمر هاشم إلى رمز للعلم والوفاء، ووسيلة لتأكيد عمق الصلة الروحية والثقافية بين الأزهر وكوسوفا. إنها قصيدة مديح، لكنها في الوقت نفسه نصٌّ ثقافي يوثق لحظة تاريخية في العلاقة بين المشرق الإسلامي وشعوب البلقان، مما يمنحها قيمة تتجاوز البعد الأدبي إلى الأفق الحضاري.
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]