د. البشاري فى منتدى الاعمال البرازيلى …. الاقتصاد الحلال المستدام ليس تصنيفًا شرعيًا فحسب، بل هو نظام قيمي يربط بين الإنتاج والاستهلاك والعدالة في التوزيع

كتب ….نزار سلامة
ساو باولو –
تحت مظلّة اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل وبالتعاون مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية، انطلقت أعمال منتدى الأعمال البرازيلي العالمي للحلال في نسخته الجديدة بمدينة ساو باولو، بمشاركة نخبة من الوزراء والخبراء والاقتصاديين والعلماء من مختلف دول العالم الإسلامي وأمريكا اللاتينية…
وقد مثّل المنتدى منصّة دولية رفيعة المستوى لمناقشة التحولات الكبرى في منظومة الاقتصاد الحلال، وإعادة صياغة العلاقة بين القيم الإسلامية ومبادئ الاستدامة العالمية، عبر مقاربات تجمع بين الفقه، والاقتصاد، والتقنية، والسياسات العامة.
قدّم الأستاذ الدكتور محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، ورقةً علميةً محورية بعنوان:
»ميزان العمران: نحو تأسيسٍ فقهيٍّ للاقتصاد الدائري – الحلال المستدام بين المصلحة والعدالة ومآلات الفعل الاقتصادي«، عرض فيها مشروعًا متكاملًا لإعادة بناء مفهوم الحلال ضمن رؤيةٍ مقاصديةٍ تجعل العدالة البيئية والاجتماعية والمعرفية محورًا في عملية التنمية…

وأوضح الدكتور بشاري أنّ الاقتصاد الحلال المستدام ليس تصنيفًا شرعيًا فحسب، بل هو نظام قيمي يربط بين الإنتاج والاستهلاك والعدالة في التوزيع، بحيث تتحول المصلحة من نفعٍ لحظيٍّ إلى نفعٍ باقٍ. ودعا إلى صياغة نموذج عالمي لـ«الاقتصاد الدائري الحلال»، يقوم على إعادة تدوير الموارد والثروة بصورةٍ تحقق التوازن بين الإنسان والطبيعة والغاية الشرعية.
وأشار إلى أنّ «فقه العمران» في الإسلام يتجاوز عمران المكان إلى عمران الإنسان، وأنّ استعادة هذا الميزان تمثّل انتقالًا من منطق «التملك» إلى منطق «الأمانة»، ومن عقل الربح الفردي إلى عقل النفع المشترك.
وشدّد في مداخلته على أنَّ مقاصد الشريعة لا تكتمل إلا حين تُترجم إلى سياساتٍ مؤسسيةٍ وأدواتٍ تمويليةٍ، من قبيل الوقف الاستدامي والتمويل الأخضر المتوافق مع الشريعة، والمسؤولية الممتدة للمنتِج، واعتبر أنّ الزكاة والوقف يشكلان الركيزة الأولى للاقتصاد الدائري الإسلامي، تمامًا كما تشكّل إعادة التدوير الركيزة البيئية للاقتصاد الحديث.
واختتم الدكتور بشاري كلمته بدعوة المؤسسات العلمية والاقتصادية في العالم الإسلامي إلى إنشاء منصّة بحث دولية لتطوير «معايير الاقتصاد الحلال المستدام»، تكون الجسر بين المقاصد الشرعية والعلوم التطبيقية، بحيث تتحول القيمة الأخلاقية إلى نظامٍ قياسيٍّ اقتصادي عالمي.
وأكد أنّ المنتدى يشكّل خطوة متقدمة في بناء شراكاتٍ بين أمريكا اللاتينية والعالم الإسلامي، وأنّ تجربة البرازيل يمكن أن تكون نموذجًا لتكامل «العلم، والسوق، والضمير»….

خمس رسائل أمام المشاركين في المنتدى
1️⃣ من الحلال الاستهلاكي إلى الحلال العمراني
الحلال ليس وصفًا غذائيًا أو سلعويًا؛ بل مشروع عمرانٍ أخلاقيٍّ شاملٍ يربط بين الإنسان والطبيعة. إنّ «ميزان العمران» يعيد تعريف الثروة بوصفها وسيلةً لإعمار الأرض لا غايةً لتكديس الأرباح.
2️⃣ المقاصد تُصبح مؤسساتٍ لا شعارات
الحديث عن العدالة والمصلحة لا يكتمل إلا بتحويلها إلى لوائح، ومعايير، وأدواتٍ قياس. المقاصد يجب أن تدخل في صلب الحوكمة الاقتصادية، فتُصبح مؤشّراتٍ للشفافية، والاستدامة، والمساءلة.
3️⃣ الاقتصاد الدائري بلغة الوقف والزكاة
الوقف هو الدورة الاجتماعية للثروة، كما أن التدوير هو الدورة المادية للمادة. عندما تلتقي المؤسستان – الوقف والاقتصاد الدائري – تتكوّن منظومة توازنٍ مستدامةٍ تُحقّق معنى قوله تعالى: «ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».
4️⃣ الشراكة بين العالم الإسلامي وأمريكا اللاتينية
منتدى ساو باولو يفتح أفقًا جديدًا للتعاون جنوب–جنوب؛ حيث تُترجم القيم الإسلامية إلى حلولٍ تنمويةٍ بيئيةٍ وإنسانيةٍ عالمية. ليست المسألة «تبادلَ منتجات»، بل تبادلَ قيمٍ ومعايير لبناء مستقبلٍ أخضرٍ عادل.
5️⃣ من القول إلى الفعل: نحو تحالفٍ للحلال المستدام
أدعو إلى إنشاء «تحالف دولي للاقتصاد الحلال المستدام»، يجمع الجامعات، وهيئات الفتوى، والمؤسسات التمويلية، والغرف التجارية، لتطوير معايير عالمية لقياس «الأثر الحلال»، بحيث يغدو الامتثال الشرعي قرينًا للامتثال الكوكبي.






